جدلية
في تلك الفترة كانت قراءة ديوان المتنبي لأول مرة مع شروحه جزء من محاولات التعافي والعودة إلى الأدب بروح متجردة ونَفَس حر. في البداية لم يكن في بالي أن أكتب وكانت القراءة في جانب منها مثل عودة إلى الدراسة أو التعلّم. كنت أستذكر النحو والصرف والعَروض فضلاً عن معاني الكلمات. لكنْ حَدَثَ أن عثرتُ على بيت منفرد ثم آخر تأثّرت بهما على نحو دفعني إلى كتابة قصيدة نثر بمثابة ترجمة لكل منهما، ليس من لغة إلى أخرى ولكن من زمن إلى آخر أو من حساسية أدبية إلى أخرى، ودونما أدري كنت أستخرج ما يخصني من هذا الإرث العظيم على شكل نص معاصر.
مهند عبد العظيم
«الشعر يُغيّر العالم». يكرر يوسف رخا هذه الجملة في كتابه الأخير «ولكن قلبي: متنبي الألفية الثالثة» (٢٠٢١)، ولا يعني بها أن الشعر ذو دور اجتماعي أو سياسي، بل إنّه يؤثر على وعي قارئه فيغير العالم كما يخبُره القارئ. يقول في «ولكن قلبي»: «وحتى لو لم يقرأه إلا شخص واحد، يظل أثمن وأروع من المنتجات الترفيهية بما فيها الكلام الموزون المقفّى لهذا السبب.»
محمد عمر جنادي
يرى رخ ا أن نقطة التقاطع مع كتابه الآخر «بره وزمان» عن المخرج شادي عبد السلام، والصادر بالإنجليزية بالتزامن مع «ولكن قلبي..» تتمثل أيضًا في «التعامل مع الآباء بخفة». «فإذا كان المتنبي أبًا في منطقة بعينها، فشادي عبد السلام هو أب كذلك في منطقته الخاصة. وربما يحتاج الموضوع إلى حديث آخر وتفكير طويل من أجل إقامة صلة بين العملين».
شريف الشافعي
يلجأ رخا إلى المتنبي كصديق من لحم ودم وشعر بعد صدمته في الأصدقاء الحقيقيين والافتراضيين في آن واحد "رَحْلي خفيف في منامات السَفَر. على مسرح الجريمة، لا رفاق ولا طريق. فقط قاتلي الذي لا أراه"، ويلوذ بالشعر لكي يعيد للكلام اعتباره ووزنه وقداسته وموسيقاه الباعثة على التطهر، ليس بفخامة الألفاظ وسحر البيان بالتأكيد، لكن باعتبار الشعر مكانًا للحقيقة، التي يمكن بها تغيير العالم وتضميد الجراحات الغائرة.
سيد محمود
يرغب رخا في الارتقاء بالمعنى وهو يعرف الكتابة بأنه ا مثل الحب، تعري جلدك وتشغل دماغك لكي تكون مع شخص آخر أو تكون شخصاً آخر، وبهذه الطريقة تتغلب على الموت. والفرق أن الكتابة لا تحتاج إلى علاقات أو مساومات ولا تنتهي إلى خذلان أو إحباط ولا رفاه ولا بنين. فهم المؤلف أن الكتابة على غير كل الاستعمالات المطروحة للغة، تضع الواقع في خدمة الكلام وليس العكس، تساعد صاحبها على أن ينظر إلى العالم بلا مصلحة أو عقيدة.
محمود عبد الشكور
لكن كتاب ولكن قلبي متنبي الألفية الثالثة أكبر وأهم من كونه ديوان شعر، والحكاية وراء كتابته، لأنه في جوهره كتاب عن البحث عن الشعر، ليس كنوع أدبي محدود بكلمات وصور، ولكن باعتباره بوابة للعودة الى الذات، والى الآخر، والى الحياة كلها، الشعر هنا يتجاوز المكان والزمان، ليصبح روحا هائمة متجددة، وعندما يستعيد الشعر حضوره، في زمن يقوم بتغييبه، فإن الحياة تستعيد ألوانها، ويصبح الشعر بذلك من حيثيات استعادة المعنى المفقود، يصبح هو “الجدوى” نفسها، والضوء الذي يخرج الغريق من الظلمات الى النور.